كنت وحيدة لأهلي، وكان لي كل ما أشتهيت...كنت جميلة جدا، ولم يكن هناك أي شيء لم يؤمنه لي والدي... فرحت جدا لما أخبرتني أمي بأنها حامل، وربما تحمل في أحشائها أخ لي... كنت أتخيلك، أجمل طفل في العالم، وكيف سنلعب، ونضحك سوياً... لدى ولادتك، تأملت يداك ورجلاك الصغيرتان، وكنت معجبة بك جدا... أتيت الى بيتنا، فأخذت أري صاحباتي كم كنت جميل، لكن، ما أن أدركت الشهر الخامس من العمر، حتى إبتدأت أمي تشعر بأن هناك شيء ليس على ما يرام، كنت وكأنك لا تتحرك كثيرا، وتبدوا على أطرافك وكأنها مشنّجة، حتى صراخك، كاد يشبه صراخ القطة... أخذتك أمي إلى العديد من الأطباء، وأخيرا، أخبرنا الطبيب الثالث عشر بأنك تعاني من مرض يسمى ب" صراخ القطط" وبالفرنسية "Cri du Chat"، فسألت، الطبيب أنذاك عما يعني، فنظر إلي بحسرة وأجابني بصوت حزين... لن يستطيع أخوك الكلام ولا حتى السير على رجليه... صعقت والدتي لهذا النباء، أما أنا فغضبت جدا...لدى ذهابنا الى البيت، أخذتك أمي بين ذراعيها، واحتضنتك، وأخَذَت تبكي وتبكي...أما أنا، فأدركت بأنه سرعان ما سيتفشى الخبر، فتنكرت لك، ورفضتك، أخذت عهدا في قرارة نفسي بأن لا أحبك... أما أبي وأمي فتضاعفت محبتهم، وإهتمامهم بك، وهذا ما جعل مرارة في داخلي، وعلى مرور الزمن تحولت المرارة الى غضب، والغضب الى كراهية... مرت الأيام، وأصبح عمرك 4 سنوات، وكنت لم تزل غير قدر على السير ولا حتى الزحف... فكانت أمي تحاول بكل قواها أن تعلمك... لكنك لم تستطيع... بل كنت تبكي، بصوتك الغريب، صوت القطة... لكن أمي لم تفشل، ففي يوم، حدث ما قال عنه الأطباء، بأنه مستحيل... لقد زحفت على رجليك... لدى رؤية أمي زحفك... علمت في داخلها، بأنك ستسير يوما ما... فكانت تلبسك "الحفاض" وتتركك على الحشيش، كان هذا يزعجك جدا... فكنت تزحف على رجليك لترجع الى البيت، لكنها كانت تعيدك، كنت أحيانا اراك من الشباك، وأشعر بإنزعاجك فأبتسم... لكن في يوم من الأيام، رأتك أمي تقف على رجليك، ثم ببطئ تسير من على الحشيش... لم تمتلك أمي مشاعرها... إذ ملئ الفرح والدموع وجهها... فنادت والدي، وأخذ الجميع بالبكاء من كثرة الفرح... وعلى مر السنين علمتك أمي أن تتكلم، ثم القراءة والكتابة... بعدها إبتدأت أشعر بأنك أخي، فحننت عليك... فكنت أحيانا أشتري لك بعض الألعاب، وكنت تكافأني بإحتضانك لي تعبيرا عن سرورك... لكن، في ميلادك العاشر، شعرت بإلم حاد في رأسك، قال لنا الطبيب، بأنك مصاب بال Leukemia ، كادت أمي تنهار، ولم أقدر أنا أن أتمالك دموعي... ففي تلك اللحظة، أحببتك أكثر، لم أعد أرغب بمفارقتك... كان الأمل الوحيد أن يوجدوا لك نخاع للعظم يناسب معك، لكن لم يكن الأمر بسهولة، وسأت صحتك، خاصة من كثرة المعالجة الكيمائية Chemo-therapy . ففي الشهر الأخير من حياتك، أذكر كيف طلبت أن أجلس بجانبك، ثم ذكرتني بالألعاب التي إشتريتها لك، فأخذت أبكي... ثم أعادوك الى المستشفى، وفي الليلة الأخيرة، طلبت مني أن أعطيك كي تشرب، ثم أن المس يداك، إبتدأت الدموع تنهمر من عيوني، كنت تحاول الكلام، لكن وكأن الكلمات لم تعد تخرج من فمك... قلت لك أنا أحبك يا أخي...وسأبقى أحبك... لا تخف... بعد قليل ستكون مع الله في السماء... وما هي الا لحظات حتى توقف تنفسك... أخذ الجميع بالبكاء، أنا وأمي وابي... بكينا حتى لم يعد لنا قوة على البكاء... أخيرا ذهبت يا Patrick ، تاركا إيانا ههنا... لقد علمتني أن أحب، وأن أشكر، أشكر الله على كل شيء، أرضى بكل ما أعطاني إياه الله، علمتني أن أقتنع بالقليل الذي لي، علمتني أن أنظر ليس الى، ما لا أملك، بل كم هو الكثير الذي أملك... علمتني أن أحب، وفوق كل شيء، أن أقدّر عطية الله لي في كل يوم... شكرا لك يا أخي الحبيب... أختك المحبة