[size=21]في اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء في درجة قربها من الله ، وبالتالي قداستها وشفاعتها ، أكثر من الأنبياء لأن سرّ العذراء القديسة مريم أعلى من موهبة النبوة .
الأنبياء قبلوا الروح القدس في الذهن والفم لينطقوا بكلام الله إلى فترة زمنية حسب مقاصد الله ، أما العذراء فقبلت أن الروح القدس يتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً لهُ .
الأنبياء كانوا آنية حملت الكلمة الإلهية إلى حين ، ثم فارقتهم ، فرجعوا كما كانوا غرباء عن كلمة الحياة ؛ أما العذراء فقد ارتبطت بـ ( كلمة الله ) كأم بقدر ما ارتبط ( كلمة الله ) بالعذراء كابن لها بالجسد ، فالعذراء ما تزال إلى الأبد حاملة صلة الأمومة لابن الله الكلمة المتجسد ، بقدر ما أصبح وما دام ابن الله حاملاً للقب ابن الإنسان .
العذراء نبيه
وإن البرهان على صحة عقيدة الكنيسة بأن العذراء أعلى من الأنبياء هو أن تكون العذراء أولاً نبيه ، وثانياً تأتي بنبوة أعلى مما أتى به الأنبياء !!!
من جهة المنطق ، لم يكن ممكناً أن تحمل العذراء (( بالكلمة )) ، كلمة الله ، وتبقى بدون نبوة ، بل بمجرد أن سكن (( الكلمة )) كلمة الله الآب في أحشاء الدائمة البتولية ، امتلأت ببهجة الخلاص وفتحت فاها مسبحة باسم الله القدوس ونطقت بعظائم الله :
(( فقالت مريم : تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته . فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني . لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس )) ( لو1: 46 – 48 )
هذه تسبحة نبوية ذات استعلان نبوي فائق ، تمتد تغطيتها الزمنية إلى كل الدهور ، وقد تحققت من يوم نطقت بها العذراء مريم الدائمة البتولية إلى اليوم بل وستستمر إلى كل الأجيال .
ولم نسمع قط على مر التاريخ كله أن نبياً يقول ( جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم ) ، بل على النقيض نسمع إشعياء عظيم الأنبياء يقول : " ويل لي . إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين !!! " ( إش 6: 5 )
بل لم يجرؤ أي نبي يقول ( جميع الأجيال تطوبني )
فالعذراء القديسة مريم البتول ، بقولها العجيب هذا تكشف مرة واحدة عن حالة انتساب وقُربَى لله فائقة على كل المستويات البشرية ، فهي تعلن بوضوح وعمق الاتضاع وبكل جرأة من أحب الله بصدق وأصالة وبكل أمانة ، أن القدير منحها حالة مجد دائم على الأرض وفي السماء بعد انتقالها .
حقيقي أن كل إنسان يمكن أن يتمجد من الله جزاء سلوك معين أو لحبه الحلو وصدق إيمانه بالله أو بطاعته لله بكل صدق القلب ، ولكن أن يوهب الإنسان أن جميع الأجيال تمجده في كل العصور ، أي بصورة دائمة ، لا كجزاء عن عمل صنعه أو سلوك أكمله بل عن استحقاق فائق من الله بسبب عظائم صنعها به الله ، فهذا شيء لم يُسمع به في دائرة تاريخ الإنسان على الإطلاق .
السلام للعذراء القديسة مريم الدائمة البتولية التي ولدت الله بالحقيقة