إن وصف المسيح هنا للباب بالقول "ما أضيق الباب!" يدل على أن المسيح لا يخدع تابعيه. فها هو يقول لهم إن الرحلة مُتعبة، وأن علامات الضيق والتعب بادية من عند الباب!
وكون الرب يصف الباب بأنه ضيق، فلأنه يتحدث عن التوبة لا النعمة، وإلا لو كان حديث الرب هنا عن النعمة لأشار إلى اتساع الباب "مَنْ يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً" (
يو 6: 37 ). لكنه هنا يمسك الطرف الآخر للحق، فيتحدث عن التوبة، فيقول "ادخلوا من الباب الضيق". وفي إنجيل لوقا يضيف قائلاً: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق" (
لو 13: 24 ). وكلمة "اجتهدوا" هي نفس الكلمة الواردة عن جهاد المسيح في بستان جثسيماني في لوقا22: 44، والتي استخدمها الرسول بولس أيضاً عن العدّاء "وكل مَنْ يجاهد (أي يركض) يضبط نفسه في كل شيء" (
1كو 9: 25 ).
وكون الباب ضيقاً فهذا معناه أنك لن تقدر أن تأخذ معك شيئاً. إنه يكفي لعبورك بمفردك بدون أصنامك الماضية. لقد شبّهه المسيح مرة بثقب الإبرة (
لو 18: 25 )؛ هكذا إلى هذا الحد! لهذا قال المسيح أيضاً: "ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله"، وكان يقصد "ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله". فإن باب الملكوت لن يسمح بدخولهم مع أموالهم. فكيف يقدرون، إن كانوا واضعين قلوبهم على الأموال، أن يدخلوا إلى الملكوت تاركين أموالهم خلفهم، خارج ذلك الباب الضيق؟
نعم، إن الأمر سيكلفك أن تترك كل شيء بل ربما كلفك التخلي عن أقرب الأهل والأصدقاء (
مت 10: 35 ،36).
وإن كان الباب يمثل البداية، فإن الطريق يمثل الحياة كلها. وكما أن الباب ضيق، هكذا أيضاً الطريق كرب. قال الرسول بطرس مُشيراً إلى صعوبات الطريق "إن كان البار بالجهد يخلص" (
1بط 4: 18 ). وقبله قال الرسولان بولس وبرنابا "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (
أع 14: 22 ). وقبلهما وفوقهما كان الرب نفسه قد قال: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن مَنْ أراد أن يخلّص نفسه يهلكها" (
مت 16: 24 ،25).